4996797

لم يكن مساء الثاني من ديسمبر، أمس، مساء عادياً في أبوظبي، ولم يكن المسرح الذي احتضن الاحتفال مجرد مساحة لعرض فني، بل صرح شاهد على تاريخ دولة، فمتحف زايد الوطني، بجناحيه الشبيهين بجناحي الصقر، بدا كأنه جزء من السرد نفسه لمسيرة وطن في الحفل الرسمي لعيد الاتحاد الـ54 لدولة الإمارات.

ومع بداية اللقطات الأولى للعرض، ظهرت خطوات هادئة فوق الرمل، تشير إلى بداية الحكاية، هي خطوات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مصحوبة بصوت مفاتيح سيارته ومحركها، لتكون هذه الإشارات هي نقطة افتتاح رحلة زمنية سيقودها لاحقاً المذياع، بينما تتولى الأرض دور الراوي الذي يعلق على المشاهد بصوت يحمل أثراً وجدانياً بسيطاً وواضحاً.

وتضمن المشهد الافتتاحي للعرض السيارة التي قادها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من طراز «كرايسلر نيوبورت»، مطلية باللون الأسود كما ظهرت في فيلم «وداعاً يا جزيرة العرب» (1968)، لتكون بداية زمنية تسبق الانتقال إلى مراحل أقدم بكثير، والمفاجئ في الأمر أنه تم العثور على نسخة نادرة من السيارة الأصلية في ولاية كاليفورنيا وكانت سنة صنعها 1966، وتم نقلها إلى متحف زايد الوطني، ثم تجديدها لتتطابق مع سيارة الشيخ زايد، حيث تمت إضافة سارية للعلم وإطارات أكبر للقيادة على الطرقات الوعرة.

قاد المذياع الانتقال الأول، معلناً الوول إلى مرحلة تعود إلى نحو 8000 عام، وقدم 5 آثار نادرة ستعرض في المتحف، وكانت البداية مع لؤلؤة أبوظبي باعتبارها واحدة من أقدم اللآلئ الطبيعية المعروفة في العالم، وقد اكتشفت عام 2017 على أرضية إحدى مستوطنات العصر الحجري الحديث في جزيرة مروح، وهي موقع أثري رئيسي يقع على مسافة حوالي 20 كيلومتراً قبالة ساحل الإمارات، وحوالي 100 كيلومتر إلى الغرب من أبوظبي. ويعتبر هذا الاكتشاف أيضاً أحد أقدم الدلائل المعروفة على الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في الدولة.

يظهر في سرد العرض أن الغطاس كان يحبس أنفاسه ليصل إلى اللؤلؤ، وأن مهنة الغوص لم تكن قائمة على فرد واحد، بل كانت تعتمد على تعاون مجموعة كاملة من العاملين في السفينة، وهو ما حافظ على استمرارية هذه الحرفة عبر الزمن، وتعرض اللؤلؤة باعتبارها من أوائل الأدلة على ممارسة الغوص في الإمارات، وأنها ربما كانت تستخدم بغرض الزينة في ذلك الوقت.

5000 عام.. خرز العقيق الأحمر

ومن ثم يعلن المذياع الانتقال إلى مرحلة تعود إلى 5000 عام، حيث يتم تقديم خرز العقيق الأحمر.

يوضح العرض أن هذه الحبات جاءت عبر تجارة بحرية ممتدة، ووصلت إلى إحدى المستوطنات القديمة، حيث ارتدتها النساء للزينة، ويشير إلى أن هذه القطع أصبحت لاحقاً إرثاً ينتقل بين الأجيال، وأنها دليل على ازدهار الحركة التجارية الإقليمية في تلك الفترة.

وفي هذا الجزء يظهر صوت الأرض ليشير إلى أن التجارة كانت جزءاً أصيلاً من حياة المجتمعات القديمة التي استقرت على أرض الإمارات.

قارب ماجان.. استمرار الحكاية

بعد توثيق لحظة الاتحاد، يعود العرض إلى قارب ماجان، الذي صنع كنموذج اختباري وفق الأدلة الأثرية، ضمن مشروع تعاوني استمر 4 سنوات بين متحف زايد الوطني وجامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي.

يُعرض القارب بوصفه جزءاً من تاريخ التجارة البحرية في العصر البرونزي، ويستخدم في الحفل رمزاً لاستمرار المسيرة عبر الزمن.

الحاضر.. مؤسسات الابتكار

ويقودنا صوت الأرض في العرض إلى الانتقال للوقت الحاضر، حيث تعرض لقطات لمؤسسات تعمل في مجالات الابتكار: مثل هيئة البيئة – أبوظبي، مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، M42، ومركز محمد بن راشد للفضاء، ومعهد الابتكار التكنولوجي.

ويعرض مشهد لطائرة Mirage 2000-9 كونها جزءاً من التصوير الذي يربط بين الحاضر والمستقبل.

الموسيقى وصوت الأرض

ويقدم صوت المذياع أداء السلام الوطني «عيشي بلادي» لأول مرة من قبل الأوركسترا الوطنية للدولة، ثم يعود العرض إلى متحف زايد الوطني نفسه، ليظهر بوصفه موطناً للقطع الأثرية التي ظهرت في العمل، بما فيها سيارة Chrysler Newport 1966.

وينتهي العرض بلقطة يقدم فيها الأطفال أغنية «نفتخر بك يا وطن»، لتختتم الأرض السرد بتأكيد أن المستقبل يحمله أبناؤها.

متحف زايد الوطني.. موطن قصتنا

وها هو متحف زايد الوطني، أحدث إبداعاتنا، يقف شامخاً في جزيرة السعديات، موطناً لقصص أجدادنا وشاهداً على جوهر حاضرنا ومسارات مستقبلنا، ويكرم المتحف الذي يستلهم رؤية الشيخ زايد، تفانيه طوال حياته من أجل الحفاظ على ثقافة دولة الإمارات وصون تراثها وتاريخها، ويقع متحف زايد الوطني في قلب المنطقة الثقافية في السعديات، وهو من تصميم شركة فوستر وشركاه.

يستوحي المتحف تصميمه من شكل جناح الصقر أثناء التحليق، ويأتي تكريماً لجهود الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وشغفه بالبيئة والتراث الوطني.

ويجمع المتحف أيضاً بين تقنيات الاستدامة القديمة والحديثة بما يتلاءم مع مناخ الإمارات، وجميع القطع التي احتفل بها في العرض، بما فيها سيارة كرايسلر نيوبورت 1966، هي جزء من مجموعة متحف زايد الوطني.